الغِنَاءُ .. أَمْ ..؟

يرى بعضُ النَّاس في الطَّربِ والغناء مُتعةً تأخذُهم من آلامِهِم اليوميَّة وإهتماماتهم الحياتيَّة المُقْلِقَة المُتعِبة أو الجادَّةِ في نسَقِ سَيرُورَتِها معَ الوقت ..! تُرى أيُّ مُتعةٍ يعيشون بها مع الغناء ..؟! يغيبونَ بها عَنْ همومِهم – كما يزعمونَ – ويتركونَ العَنَان لدَغْدَغَاتِ الأنغام أو الكلام المنمَّق الملحَّن أنْ تُزغردَ في دواخِلِهم بِفَرحٍ تميلُ به رؤوسُهم وأعطافُهم ..! وقَد يهيجُ بهم الشُّعور إلى التعبير بالحركات والرَّقْص لينقلَ نَشْوةَ المُتعة إلى الجوارح بعد أنْ أَمالت النفوسَ طرَباً و فَرَحاً..!؟..

والمطرِبون – وليس أصحاب فقاقيع الغناء – لهم حالٌ وأحوالٌ في هذا مثل كاتبي أغانيهم ذاتِ البيان المَسْبوكِ الوَزْن أو نحْوهِ – وليس المُبتذَلون بسَفِيهِ الكلام اوغَثِّه ـ ..! فتراهم يهيمون بما يكتبون و يغنُّونَ و يتمايلون ويُميلون -..! ولعلَّ شعراءَ كباراً ومفكرين أجادوا بأبيات عن الغناء وسحره مثله جبران الذي قال

أعطني النَّاي وغنِّي فالغِنا سرُّ الوجود :

وأنينُ النَّاي يبقى .. بَينما يفنى الوجود

وسِواهُ .. وسِواهُ كثير ..! غيرَ أنَّ ذلكَ كلَّهُ – لو تأمّلنا – حالُ ( أرضِيِّيْ المُتعة ) على درجةِ تَسامِيها عَن ..أو تدانيها مِن .. أرضيَّتها..! فهي كما نرى تُحَرّكُ شعوراً قد يحملُ المرءَ ويهيمُ بهِ .. لكنْ إلى عوالمَ مهما إبتعدتْ فَبِبُعدٍ إنسانيٍ أرضيٍ تبقى .. تُحِسُّ أنها مزيجٌ من الإغتراب الرّوحي والشرود النفسيِّ ..! تتركُ المرء بِحَيْرة وتُذيقُه من الألمِ مُرَّه ..تَسرُّه فيما يرى .. في حين أنّها تُبعدُه بشيء كالسُّكْرِ عن الحقيقة والورى .. هذا إذا لم تنحدرُ به إلى مجرَّد أحاسيسَ جوارح ماديّة أو أشباهٍ من أشباهِ مُتَعٍ غريزية..!؟

الغناءُ المُتعارَفُ عليهِ بيننا .. ليسَ مُتعةَ الرُّوح .. كما أفهمُ .. وبهجةَ النّفس العالية .. في سُمُوِّ هذه الرُّوح أو إرتقاء تِلكَ النَّفسُ ..! ولا هو سعادةٌ لها في مَوطنِ السَّعادة الحقيقي وآفاق سماواتها الرَّحبة الفسيحة ..!؟

عندما تَسعَدُ الرّوحُ وتنتشي بالبيان – إن صحَّ التعبيرُ – فَلِبَيَانٍ غَيرِ البَيان ولأوتارٍ غيرِ الأوتارِ ولألحانٍ غيرِ الألحان ..؟!

ثَمَّةَ لُغَةٌ تفهمهما النفس وتُحسُّها ..تَسُرُّ الرّوحَ وتُسعِدُها .. لُغةٌ تُخاطبُها في رُقِيِّها وعُلُوِّها .. وأكادُ أقولُ ..في سُمُوِّ وَعْيِها الكوني الحقيقي .. بل في عَوالم تحليقها وآفاقها النّورانية الفسيحة ..!؟

لُغَةُ بَيانٍ سَماوي .. تُرَتِّلُهُ حناجرُ طاهرةُ الجَوف ، زكيُّةُ العُرْفِ ، بديعةُ تجويدِ الكَلِمِ والحَرْف.. تخشعُ له القلوبُ وتطمئن .. وتهدأُ بسَماعِهِ المشاعرُ وتسكُن ..ترتقي به الأفئدة وَعْياً .. وتسترشد بنوره هدايةً .. تُحلّق به الأرواح سعادةً .. وتُتْرعُ به الجوارح لِصالحِ الأعمالِ وجميلِ الأفعال طاقةً وقوَّة .. وتستبشرُ به النُّفوس المؤمنة خيراً وبركةً وأجراً ..

بَيانُ التَّنزيل القُرآني هو المَثلُ الأرفع والأكبر والأسمى ..وعَذْبُ ترتيلِهِ .. على مِعراجِ النَّفس والرُّوح ..إلى عَلياءِ الطمأنينةِ والسَّكن وسعادتهما.. إلى إرتقاء الوعي للحقيقي .. ومُتعة الفهم والإدراكِ للكوني ..لا نشوة السُّكْرِ بالأرضي ولادغدغة الإحساس بشعورٍ غريزي ..!

أضعُ نقطةً هنا لنهاية المقال .. ولو أنَّ في الموضوع ما يُزاد عليه ويُقال .. والله أعلم بالحقيقة .. على كلِّ حال ..

فَلأَيِّ الألِحانِ ستُصغي .. ؟ أتركُ بين يديكَ أيُّها القاريء المحترم ،وبين يديَّ .. السؤال

حسام الدين منصور

Scroll to Top