الهجرة ُالهدايةُ .. والأمانة

لم يخرج النبيُّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم .. وأصحابُه من ديارِهم وبلدِهم ويتركونها وهم ينعمون فيها بالأمن والسلام والحريّة ورغَد العيش ..بل كان اضطهاد مشركي قريش وعُتاتِها للمسلمين ومكرُهم بالنبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وصحبِه – كما نعلم – في أَوْجِ شدَّتِه وسُوئِه .. جَعَلَ حياةَ من آمن بالله ورسوله غيرَ آمِنةٍ وعيشَهم صعباً . فمِنْ اضطهادٍ وتعذيبٍ إلى حصار وإضعافٍ وتجويع .. إلى مَكْر وكَيد ..!! لا حريةَ في المعتقَد ، بل ظُلمٌ .. وإمعانٌ بالركون إلى الجَهْل وظُلماتِه ، وشِركٌ.. و دفاعٌ مستميت عن الشِّرك وأصنامه ..! فلا راحةَ معهم – أي مع المشركين – لمن أنارَ الإيمانُ بالله الواحد قلبَه .. ولا أمْنَ عندَهم لِمَنْ أسلَم لله في عبادة الله ربِّه وخالقِه سبحانه .. فَضْلاً عمّا وَضَعَهُ المشركون الكارِهونَ لِنورَ الهداية من صعوباتٍ وعراقيلَ وأخطارٍ صارت تُحدِق بمن يدعونَ إلى توحيد الله وإلى الإسلام ..

في ذُروة هذه الأجواء وظُروفُها القاسِيَة كانت الهجرة النبوية الشريفة .. لو فتحنا الآنَ قليلاً باب الهجرة – هِجرة رسولِنا الكريم محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم – فماذا نستطيع أن نرى اليوم ..؟

لعلَّ قِصّةَ الهجرة كوقائعَ .. معروفةٌ عُموماً .. عند أغلب المسلمين .. ولو أنَّ معانِيَها وتفاصيلَها ودروسَها وعِبَرَها .. ما تزالُ تتوضّح وتتبلورُ أكثرَ فأكثر .. بمزيد من إعادة النَّظر والتأمّلٍ والتدبُّر ..

دعونا – بسرعة وإيجاز – نفتح الباب معاً بإتِّساعٍ أكبر قليلاً ..ونبدأ فنقول .. اللهُ الواحِدُ الأَحَدُ سبحانه وتعالى هو خالقُ الكون .. اللهُ جَلََّّ في عُلاه خَلَقَ الإنسانَ ليكونَ خليفةً يَعْمر الأرض بالإيمان والعدل والخير .. عَرَضَ الله تعالى الأمانةَ على

السَّمواتِ والأرضِ والجبالِ – فَأَبَيْنَ أنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الِإنْسَانُ -.. الأمانةُ عِندَ عُلماء في التفسير .. هي الدّين .. هي الطَّاعة لله ..هي فرائض الله .. هي الحدود.. من أدَّاها فَلَهُ الثَّوابُ .. ومن ضيّعها فَلَهُ العقابُ .. اللَّهمَ رحمتَك .. إذاً كما اتُّفِقَ .. الأمانة هي التكليف ..

السؤال هنا .. كيف للإنسان أن يعرفَ هذا التكليفَ الذي رضيَ بِحَمْله .. ؟من يُوصل له أمانةَ الله ..؟ من يُذَكِّره ليبقى على فطرتِه الصحيحة وقلبِه السّليم ..؟ من يُرشِده إلى أوامر إلهِهِ وربِّهِ فيعمَلُ بها لِيفوزَ .. ومَنْ يُبَصِّرُهُ بِنَواهِيه فيتجنَّبها لِئَلَّا يُعاقَب ..؟ بالتَّأكيدِ إنهم رُسُلُ اللهِ تعالى إلى النَّاس وأنبياؤهُ عليهم الصَّلاة والسَّلام .. رْسْلْ الله تعالى يَحْمِلُونَ رسالةَ الله إلى عبادِه .. يَحمِلون دِينَ اللهِ القويم إلى النَّاس .. وَ دِينُ الله تعالى هو التّوحيدُ للهِ خالقِ الإنسانِ والكونِ وعبادتُهُ وحْدَهُ لا شريكَ له والطَّاعةُ لهُ فيما أمرَ به وفيما نهى عنهُ سبحانه وتعالى .. كلُّ الأنبياءِ والرُّسلِ عليهم الصلاة والسَّلام جاهدوا في الدَّعوة إلى الله وإيصال رسالتِهِ إلى أقوامهم كما أَمَرَهم اللهُ سبحانه وتعالى .. فمِن أقوامهم من آمنَ واهتدى ومنهم من جَحَد وكَفَر .. منهم من حملَ الأمانةَ ومنهم من صَدَّ عنها وانحرف إلى الكفر والظُّلم والفساد والطغيان .. والعياذُ بالله .. إنّهُ الإنسانُ إذاً ..! قَلْبٌ سليمٌ وعقلٌ واعٍ مُهْتَدٍ فَسُلوكٌ مستقيمٌ على الخير .. أو قلبٌ لاهٍ شاردٌ فاسد وعقلٌ جاحِدٌ تائِهٌ ضالٌ وبالتّالي فسلوكٌ مُنحرفٌ عن الإستقامة مُنغَمسٌ في السّوء والفساد .. والعياذُ بالله.

هل نسينا موضوعَنا ..؟ هل تجاوزنا الهجرةَ النبوية الشريفة ..؟ بالطَّبع لا.. بل لتَعلمَ أنَّ هدفَ الهجرة .. الذي نحاولُ إستنباطهُ هنا .. – واللهُ أعلم دائماً -.. هو أن تصلَكَ هذه الأمانةُُ أيُّها الإنسان على مساحة الأرض طولاً وعرضاً .. وإلى نهاية الزَّمان ..وأكرم بها وأعظم من رسالةٍ تأتيكَ وأمانةٍ تصِلُكَ على يَدِ رسولِ الرَّحمة والهُدى .. النَّبيِّ الخَاتَم سيّدنا محمَّد صلّى الله عليه المبعوثِ رحمةً للعالمين ..

جِهادُ رسولِ الله للدعوة إلى الله وتبليغ رسالته وصل في مكَّة المُكرَّمة إلى مرحَلَةٍ إشتدَّ فيها أذى المشركين للمؤمنين وبلغَ فيهم مَكْر الكافرين برسول الله لِيُثبتوهُ أو يَقتلْوهُ أو يُخرجوه .. ولكنَّ اللَه خَيْرُ الماكرينَ أرسلَ عبدَهُ ونبيَّهُ ورسولَه محمَّداً صلّى الله عليه وسلَّّم ليكونَ للعالمين نذيراً فسيؤيّدُ عبدَهُ وينصُرُهُ ويَهزِمُ الكُفْرَ والكافِرين والشَّركَ والمشركين: ( وإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوُكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ واللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) سورة الأنفال /الآية ٣٠

وليتابعَ رسولُ اللّه رحلةَ الأمل .. مسيرةَ النُّور .. حَمْلَ رسالةِ الإيمانِ والحبّ والخير والعدل .. رغم الصِّعاب فالهدفُ الكبير – وهل أكبر ممَّا يَحمِلُ رسولُ الله هدىً وبشرى للعالمين – تهونُ أمامَهُ المصاعبُ والعقباتُ والتضحيات .. وكيف و حاملُ الأمانةَ رسولُ الله محمَّد صلّى الله عليه وسلَّم .. ولينطلق مع صاحبِه في مَعِيَّة اللِه ثقةً بالله وبنصرِ الله وحِفْظِ الله وتأييدهِ سُبحانَه .. يُطَمئنُه إذ الكفّار اللاهثين وراءهم لينالوا منهم .. اللاحقين لهم .. وصلوا إلى باب الغار الذي لجأ إليه نبيّ الرحمة وصاحبه : ( لَاْ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا ) من الآية ٤٠ / في سورة التَّوبة

يالِله .. كم هي الرساَلة عظيمة .. وكم هي الطريق التي سَلكَتْها هذه الرسالةُ – الأمانة – مليئةً بالصّعاب والمشاقِّ والجهاد والتضحيات ..؟ وكم هي عظَمةُ من أوصل هذه الرسالة نبيّنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم وكم هو جهادُه ومثابرتُه عظيمة ومن كان معه من صَحْبه الكرام رضي الله عنهم .. ومن جاهد من بعدهم وضحّى حتى يعمّ نداء الإسلام الخالد .. لا إله إلّا الله محمّدٌ رسول الله … كلَّ الأرض .. وحتى نؤمن بالله وَحدَهُ و لا نشركُ به شيئاً .. حتى نعبدَ اللهَ ربّنا بما افترضه علينا طاعةً وإخلاصاً وإنابةً .. فلا نعصيه .. حتى نأمرَ بالمعروف وننهى عن المُنكر بالحكمة والموعظة الحسنة .. حتى نتحلّى بأحسنِ الأخلاق ونتمثَّلَها سلوكاً وعملاً .. حتى نَصدُقَ ولا نكذب ونَنْشُر الخير ولا نُفسِد في الأرضِ ونطغى..! حتى نفوز برضا الله في الدنيا والآخرة .. بإذن الله … وحتّى لا نخسر ثوابَه في الدَّارَين .. والعياذ بالله ..

فهل وصلتنا الرّسالة ..؟

وهل عرفنا لماذا حملَ الإنسان الأمانة .. ؟

وهل عرفنا قَدْرَ من أنَارَ لنا طريق الصلاح وطريق الفلاح ..؟ صَلَّّى اللهُ عليكَ يا نورَ الهداية وسَلّم تسليماً..

أيُّ بَدرٍ قد طَلَع .. من ثنيَّات الوداع

أيُّ نورٍ قد سَطع .. بالهُدى .. للعالمين

نورُهُ حُبٌ وعِلْمٌ .. ورَشادٌ بإتِّباع

.. نورهُ عَمَّ البرايا .. نورُ خَيرِ المُرسَلِين

——————————–

حسام الدين منصور

Scroll to Top