في الحياةِ .. – يقول العارفون – جنَّةٌ يعيشها المؤمنون المُخلصون الذين يعملون الصّالحات .. وَهُمْ يطمعونَ برحمة الله وجنَّة نعيمهِ الأبدي في الآخرة ..
إنهم يعيشونَها لأنَّهم
.. ببساطة .. و كما سنرى ، يعيشون واقعاً .. الآيةَ الكريمة في سورة النَّحل:
( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(97)
—
أَليْسَ هذا صحيحاً ..؟
إنَّ في الإيمان الحقِّ جنّةٌ للنَّفْس وحياةٌ طيبة .. وللعمل الصالح جَنّةٌ للنَّفس ..في الدنيا .. وحياةٌ طيِّبة .. قبل جَنَّة الخلودِ والنعيم المقيم في الآخرة ..
هذا قانون مِن قوانين العدل الإلهي.. ومِن قوانين وفضائل الرَّحمة الإلهية التي وَسِعَتْ كُلَّ شيء .. و اللهُ أعلم ..
و النّاسُ .. في كل زمان ومكان .. يبحثونَ عن طِيبِ الحياة..
عَنِ السّعادة يُفَتِّشونَ .. بِشَتّى الوسائل والطرُق ..! وهيَ مُلَخَّصةٌ مُوجزةٌ واضحةٌ في هذه الآية الكريمة .. و مُفصَّلة في آيات كثيرةٍ من القرآن الكريم .. بَلْ هِيَ في القرآن الكريمِ وَهَدْيِهِ القَويم ..
إنّها في الإيمان الخالص .. والتسليم الخالص لله سبحانه وتعالى .. اسمع وتدبّر قول الرَّحمن الرَّحيم في سورة الأنعام:
( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ )(82)
—-
لا قَلَقَ مع الإيمان .. لا خوفَ ولاحُزْن .. أنت مُسَلِّمٌ نفسَك للرَّحمن الرَّحيم القدير اللطيفِ الخبير .. تعملُ ما أمَركَ به وتنتهي عَمَّا نهاكَ عنه .. وتكون من المتّقين .. والله مع المتّقين ..
ألم تقرأ :
(..وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )
من الآية(194) في سورة البقرة ..
فماذا تنتظرُ بعد مَعيَّة الله للمتَّقين إلا رَحَمَةً وطِيْبَ عَيْشٍ في الحياة الدنيا .. وطريقاً إلى جَنَّة خُلود الحياةِ الآخرة..؟
و أين هي التقوى ..؟
هي كما يقول المفسّرون .. وكما قرأنا قبل قليل .. العملُ بما أمر الله تعالى والانتهاء عمّا نَهَى ..
أمرَنا بعبادتِه وطاعتهِ سُبحانه .. بالصلاة والصيام والزكاة والحج والعمل الصالح ..فلماذا لا نُملصُ فيها و نَعِيها سعادةً وأمناً للروح والنّفس .. ولماذا لا نُحِسُّها ونعيشُها جَنَّة دنيوية .. قبل جَنَّة الآخرة ..؟
عِشْ جنّتك في صلاتك خاشعاً .. في عبادتك صادقاً مُخلصاً ..
عِشْ جنَّتك في صيامِكَ سامياً بالرّوح نقياً بالنفس ..أَلَسْنَا في رمضان .. ؟ ألسنا في زمن استثنائي من أعمارنا تُصَفَّدُ فيه الشياطين .. فلماذا لا نعيشُ صيامَنا في دنيا نستشعر فيها من صفاتِ جنَّة الخلود ..؟ خُذْ سلامةُ القلوب مثَلا .. إذْ لا شياطين َتُوسوس فيه بالأحقاد بين النّاس وتُغري بالمعصية والسوء ..!
بل فيهِ كَظْمٌ لِلغَيظِ وعَفْوٌ وسلام .. وحبٌ بين النّاس وصفْحٌ ووئام .. وعمل صالحٌ يُرضي ربَّ الأنَام ..
هو .. فُرصةٌ .. رمضانُ للعيشِ بجَنَّة دنيوية ..
طاعةً للهِ تعالى .. سمُواً ورقياً روحياً .. وصفاءً نفسياً وتعافٍ جسدياً.. وسلامةً قلبياً .. و رَحَماتٍ ومغفرةً وأجراً وثواباً عظيماً من اللهِ الخالق العظيم .. الجوادِ الكريم ..
فهل دخَلْنا جنَّة الدنيا من باب الصيام .. طَمَعاً بِدخول جنَّة الخلود بإذن الله الرحمن ..مِن بابِ الرَّيان ..؟
————
حسام الدين منصور