عِيدُ ميلادكَ .. تَعالَ .. تَعالَ لِنحتفِل ..!

عندما يمرُّ على الإنسان يومٌ هو بالتأريخِ ودورانِ الأيامِ والشهورِ والأعوام .. كاليومِ الذي وُلِدَ فيه وأبصر نورَ الدنيا .. نورَ الشمس على هذه الأرض .. قد ينسى وغالباً ما ينسى في غَمْرةِ مشاعرِهِ التي كثيراً ما تكون عامرةً بجوِّ الإحتفال ب -عيد ميلاده – والتحضير لحفلٍ يُبهجُهُ والأهل والأصدقاء .. كما صار ذلكً عادة عند كثيرين ..! قد ينسى أمرين مهمّين للغاية .. ينسى أنْ يتذكَّرَ مُوْجِدَهُ .. و خَالِقَهُ لا نقولُ نسيانَ جُحودٍ والعياذ بالله .. بل نسيانَ غَفْلةٍ ربَّما عن حقيقةِ ما يَحتَفَلُ به ..عن حقيقتهِ هو ..! وينسى كذلكَ تَذَكُّرَ مَنْ كانتْ سببَ ووسيلةَ ولادتِه .. ينسى أن يتذكَّرَ أمَّهُ ..! ينسى تسعةَ أشهرٍ من التَّعبِ والأَلَم والمشقَّة .. عانَتْها قَبْلَ يومِ مَولدهِ الذي يبتهجُ بذكراهُ ..! ينسى آلام ولادتِها التي تضعها على حَرْفِ الحياة والموت ..! ينسى ذلك كلّه ..طبعاً إلّا من رحمَ اللهُ فوعى وتذكّرَ وتدبّر

عندما أحتفلُ بما أسميتُه – عيد ميلادي- أُخطِيءُ إنْ لم أعرفُ فيهِ كُنْهَ وجودي ومعناه .. إنْ لَمْ أُدرك حقيقةَ خلقي كإنسان ..ومن ثَمَّ هدفَ خَلقي وغايتَهُ

وهكذا فإنَّ تساؤلاتي في هذه المعاني .. وتأمّلاتي بجوهر حقيقتها وغايتِهِ .. وكُنْهَ الإعجاز فيها .. تكون هِيَ روحَ الإحتفال .. إذْ أكتَشِفُ ذاتي كخَلْقٍ إلَهيٍ مُعجز .. خَلْقٍ بيد خالقٍ كريم عظيم حكيم رحيم قدير ..وإذْ أعرفُ غايةَ وجودي كبَشَر على هذه الأرض .. أي لأَعْبُدَ اللهَ خالقي ورازقي ومدبّرَ أمري وأمْرِ كلِّ شيء ..

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )) سورة الذاريات/ الآية ٥٦))

فأَسْعَدُ هنا حامداً الله تعالى ربّي وخالقي على نعمة الإيجاد والوجودِ والحياة .. ثُمَّ أنْ عَرَّفَني في هذه الحياة .. طريقَ الهدايةِ بنعمةِ الإيمانِ والإسلام .. وأكرمني بنِعَمٍ لا حصر ولا عدَّ لها ..ممّا لا يُحصِي المرءُ ثناءً على الله الخالق الكريم حَمْداً وشُكراً عليها .. بل يخضعُ لعظمتِهِ وكرمِهِ مناجياً معترفاً بكَرَمِهِ غيرِ المحدود .. قائلاً سبحانكَ .. لكَ الحَمْدُ يا ربي لا أُحصي ثناءً عليكَ أنتَ كما أثنيتَ على نفسِك

رُوحُ الإحتفالِ إذاً .. يأخُذُ ألْقَاً مُنيراً مُبْهِجَاً .. برضى الله تعالى إِذْ أَتَفكَّرُ في نِعَمِهِ ..وإذْ أذكرُ والدتي ومَشاقَّ حَمْلِهَا وأَلَمَ ولادَتِها ..ثمّ إرضاعَها لي وعنايتَها ورعايتَها بمَا وهبَ الله سبحانه قلبَ الأمِّ مِنْ حَنانٍ وحُبٍ ورأفةٍ بوليدها وابنها الذي يكبر مع روحِها .. في قلبها وفي ماء عينيها .. وتحت غطاءِ حاني أجفانها وعلى سواعدها وبين يديها .. فسبحان الله العظيم الكريم

وهُنَا يبقى التساؤلُ يَلُفُّ المرءَ .. هكذا إذاً لمْ تأتِ قداسةُ الوالدة بل الوالدين من فراغ ..؟! لمْ يأتِ ذكرُهُمَا بالإحسان ِلَهُمَا وخَفْضِ جناح الذّل لهما .. مباشرةً في الآية الكريمةِ .. بَعدَ ذِكْرِ اللهِ عبادةً لَهُ وحدَهُ لا شريكَ لَه ، من دون معنىً يدفعُ البصر ليُبْصر والفؤادَ لِيَعيَ

وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا )) ۚ سورة الإسراء/ الآية ٢٣))

نَعَمْ هو ربّي المُوجِدُ الخالقُ الكريمُ الرَّحيمُ سبحانَه وتعالى .. لي ولكلِّ البشَر .. ولِكلِّ شيء.. وهُمَا والِدَايَ بل هي أمّي ووالدتي .. أسَاسُ وسببُِ ووسيلةُ وجودي هذا ..وقدومي .. بإذن الله ..، إلى الحياة

فلماذا وكيفَ أحتفلُ إنْ لمْ أحتفلْ حَمْدَاً للهِ خالقي الكريم وشكراً له سبحانه .. ثُمَّ ومِنْ بعد ذلك اعترافاً بالجميل وإحساناً لوالديَّ ولمن كانت سبب وجودي ..من حملتني تسعة أشهر كُرهاً وَ وَضَعَتْنِي كُرهاً وأرضعتني ورعتني وليداً وربَّتني طفلاً وشاباً ..؟

هكذا .. وعندها .. أَشْعُرُ بِنَفسي .. أُدرِكُ مَنْ أَنَا .. ولماذا وُلِدْتُّ هُنا .. ومَنْ خَلقني ومَن كانَ سَببَ وجودي ومن رعاني

هكذا.. وعندَها ..أحتفلُ بيومِ ميلادي .. أبتسمُ من عُمْقِي حامداً الله شاكراً ساجداً لَهُ عابداً .. مُحْسِناً لوالديَّ وأُمِّي معترفاً بَفَضْلِهِمَا .. متأمّلاً في سِرِّ هذه الحياة .. عازماً على حَمْلِ أمانتِها بإخلاصِ المؤمنين .. وحِكْمَةِ العارفين

حسام الدين منصور

=======================================================

Scroll to Top