ما حقيقةً علاقة الوزن الزائد وألم مفاصل الطرفين السفليين ؟ما الذي يَحمِلُ أوزانَ أجسامِنا حينَ نسير ..؟!
ما حقيقةً علاقة الوزن الزائد وألم مفاصل الطرفين السفليين ؟
مُحاضَرة عامَّة
عندما تتألم من ركبتيك مثلاً ..
هل السَّبب وزنُك الزائد وحدَهُ كما يُقال ويُشاع ..؟ أم ثمَّة عواملٌ أُخرى لهذا الألم ..؟
هل تتحرّك أنتَ و تمشي بعظامِكَ وحدَها ..؟ أم بجملة حركية متكاملة .. مُكَونة من عظام ومفاصلها، وعضلات وأوتارها ،و أوعية وأعصاب وما يتبعها..؟
( دون الخوض هنا بالأجهزة الحيوية الأساسية في الجسم البشري ، حيث الكلُّ نظام مُتكامل في تأدية وظائِفِهِ عامَّةً .. – وسبحان الله الذي خَلَقَ فَسَوَّى – )
في الحقيقة .. لنَتحرَّك بواسطة هَيكلنا العَظمي .. لابُدَّ من سَلامة كُلِّ الجُملَة الحَرَكية للجسم ..
.. والمفاصل .. بالطَّبع .. مَكْمَنُ الحركة فيها .. وإلّا لكان الإنسان – ولن يكون إنساناً عندها – ! كُتلة كالصخرة الواحدة قطعة واحدة..!
إنَّ بناءنا البشري يتكوّن هيكلياً من ( 208 ) مائتين وثمان عَظْم وبين كل نهايتي عَظمين أو حتى بين جسمي العظمين أحياناً .. كما في الساعد مثلاً .. هناك المفاصل ..
إنَّ كلاً من العوامل التالية :
– بناء المفصل ..
– قوَّة العظم وقدرته على حمل الثقَل ..
– سلامة الغضروف المفصلي وقدرة تحمّله ..
– قوة العضلات ومرونتها ولياقتها .. وسلامة أوعيتها وأعصابها .. وأجهزتها ..
– سلامة الجسم وأجهزته بشكل عام .
هو ما يُعطينا .. بفضل الله الخالق البديع الحكيم .. الحكةَ السليمة الصحيحة..
الآن ..
نعود لنتساءل تُرى من يحمل وزن الجسم عند المشي مثلاً.؟
هل هي العظامُ بقوتها ..؟
أم المفاصلُ وغضاريفُها المفصلية و توابعُها من الأوتار والأربطة والغضاريف كالهلالية في مفصلي الركبتين مثلاً .. وسواها. ؟
أم العضلاتُ وقوةُ عَزمِها ولياقتُها وكتلتُها ومرونتُها .. ؟
و ماذا عَمَّا يتَّصل بالعظام والعضلات من أوعية دموية وأعصاب؟
بالتأكيد كلُّ ذلك له دَورُهُ .. وتتكامَلُ كلُّ عناصر هذه البنية الهيكلية الحركية والوظيفية عملياً للقيام بالحركة كالوقوف والمشي مثلاً .. و كذلك تتساعدُ مكوِّناتُها لِحَمْلِ وزن الجسم الذي يتوزّع بالثِّقل على تلكَ البنية الهيكلية الحركية – أي أساساً على العظام ومفاصلها ومركَّباتها بما فيها العمود الفقري بالطبع وعظام الحوض وعظام الطرفين السفليين ومفاصلها جميعاً وعناصر تركيبها كما ذكَرنا – .. وعلى العضلات عموما من أعلى الجذع إلى الحوض فالطرفين السفليين ..
وتتضافر كلُّها لتأمين الحركة السَّليمة المتوازنة .. وتتعاضدُ علَى تحريك الجسم بتكاملها الوعائي العصبي مع الجهاز الحركي .. بل بالتكامل الفعلي مع كلِّ أجهزة الجسم البشري ..وسبحان الذي خَلَقَ الإنسانَ في أحسن تقويم ..
وأيُّ خَلَل بأحدها سيُحَمّل الباقي حصَّتَه ُمن حمل الوزن بنِسبَة ضَعفِهِ و بِمقدار عدم إستطاعتِهِ القيام بما عليه في هذه الوظيفة ..!
فلو كانت عضلاتُ الطرفين السفليين ضعيفةً مثلاً .. فستحمِلُ العظامُ ومفاصلُها ومركَّباتُها في الرجلين عن العضلات حِصَّتَها من وزن الجسم ، و كذلكَ أيَّ أثقالٍ محمولةٍ على الجسم معها..
الحَمْلُ إذاً في ضَعْفِ العضلات ذهبَ في مُعظمِهِ إلى العظام وبالطَّبع إلى نهاياتها حيث مكمن الحركة أيً إلى المفاصل .. وبالتحديد هنا مفاصل الوركين والركبتين ومفاصل عنقي القدمين ( الكاحلين )..
فحمَلتْ في النهاية هذه المفاصل العِبءَ الأكبر من وزن الجسم.!!
ماذا يعني هذا بالنسبة لصِحَّة المفاصل .. ؟
هذا يعني إجهادُ الغُضروف المِفصلي الأملس الذي يسهِّل الحركة .. وبالتالي .. و باستمرار إجهادهِ يبدأُ مَا يُسمَّى – التَّنكسُ المفصلي – ..
فتقِلُّ سماكتُهُ ويجفُّ ويَرِقُّ مع الوقت .. ويتشقق ويبدأُ بالتَّشوُّهِ وبتشكيل المناقير .. و تنقرِصُ المسافةُ المفصلية بسبب ذلك .. !
( ففي الركبة مثلاً تنقص المسافة المفصلية بين نهاية عظّم الفخذ وبداية عظم الساق الكبيرة الظنبوب ..)
ويتقرَّحُ في نهاية المطاف السَّطح المفصلي الذي كان صقيلاً أمْلَسَاً..أي يزولُ الغُضروف المِفصلي ومادَّتُهُ الملساء الناعمة القوية المرنة من مناطق عدة في المفصل..!
كلُّ هذه التغيرات تسبَّبُ ألم المفصل .. ويزداد الألم بزيادة شِدَّتها..
فيبدأ – أيْ ألم المِفصل – عندَ الحركة .. ثم يكون في أثناء الراحة إلى أن يُوقظ المريضة/ المريض منَ النَّوم ..
و يُحدِّد مع الوقت أيضاً حركةَ المِفصل ، فَحَركَةُُ مَشي المريض بالتالي بشكل كبير ..!
وهكذا ..
ماذا يُتَطَلَّبُ مِنَّا إذاً لتبقى حركةُ الطرفين السفليين .. في المشي والجري وصعود الأدراج وو ..وحتى في وضعية الوقوف .. سليمةً حرّة بلا ألم ..؟
ماذا يُتطَلَّبُ مِنَّا لتبقى الرّكبتين ومفاصل الطرفين السفليين سليمة غير مؤلمة ..؟
يُتطلَّبُ مِنَّا التالي :
( أوَّلُ ما سَينصَحُكِ الاختصاصيون بتخفيف الوزن إنْ كنتِ بدينةً ولديكِ زيادة عن الوزن الطبيعي ..! و هو أوَّلُ ما سينصحونكَ به كذلكَ إنْ كنتَ بديناً زائداً وزنُك ، وكذلكَ بالابتعاد عن حَمل الأثقال إن كنتَ تحملُ أثقالاً في عملكَ أو رياضتكَ أو .. أو .الخ )
وهنا سأورد شيئاً مُهمَّاً من تجارب الخبرة – المُتواضعة والخاصة بي -..
سأوافقُهم – بالطَّبع – على تخفيف الوزن كعاملٍ مُهم لتخفيف الجهد عن المفاصل .. ولحمايتها من التنكُّس وبالتالي تخفيف ألمها .. ولكنْ ..
ستبقى مفاصلُ الطرفين السفليين وعظامُها تَحمِلُ وزنَ الجِسم عن العَضلات لو كانت ضعيفة …!
وستبقى في إجهاد وتعب في المشي والوقوف ..!
و لابُدَّ لتكونَ المعادلة صحيحةً أن تكون أحد أطرافها وهي هنا العضلات .. قوية سليمة مرنةً و ذاتَ لياقة عالية – ما أمكنَ- .. بالتمارين المُنتظمة – أساساً – و المدروسة حسب العُمر والوضع الصحي للإنسان وطبيعة حركته وعمله ..الخ .. وهي تُتَعَلَّم من اختصاصيي العلاج الطبيعي والفيزيائي .. ثمَّ تمارسُ عملياً في البيت وسواه بشكل اعتيادي ..
إذاً..
-الحفاظ على عَضلاتٍ قويةٍ أمرٌ غايةٌ في الأهميَّة ولاسيما من وقت مُبكِّر في العمر .. مع ضرورة الاستمرار بهذه المهمَّة مع الوقت من مرحلةِ الشباب .. إلى الكهولة .. إلى ما بعد الكُهولة بشكل عِلمي منتَظمٍ مدروس بإشراف اختصاصيين بالتمارين وبالطُّرق المناسبة .. وفق حالة الفرد الصحية كما ذكرنا وظروف حياته ..
فتقوية عضلات مربّعة الرؤوس الفخذيةً في الطرفين السفليين على سبيل المِثال .. والحفاظ عليها قويةً سليمة وذات لياقة عالية – ما أمكن – ضرورةٌ لحمايةِ مفصلي الرُّكبتين .. حتى تحمل حِصَّةً كبيرة من وزن الجسم ولا تتركها لمفصلي الرُّكبتين ليحمل حصتها المفترضة مِنَ الوزن..!
هذا مع أهميَّة تقوية عضلات الجذع والحوض وعضلات الطرفين السفليين والجسم عموماً لذات الغَرَض ..!
-السعي لتبقى عظامُنا قويةً ذات كثافة صحيحة لاسيما عظام الطرفين السفليين لتحمي المفاصل أيضاً .. إذْ إنَّ ضعفَ كثافتها ..خاصة خلف الغضاريف المفصلية سَيُسَرِّع عمليةَ تنكُّس المفاصل وتآكل السطح المفصلي وتخرُّبِه..!
-الحرص الكامل على بقاء الجُملة العصبية والجملة الوعائية للجسم عموماً ولفروعها في الطرفين السفليين سليمتين تحميان المفصل كذلك بسلامة عملهما ووظائفهما الأساسيتين للقيام بالحركة والوقوف والمشي ..
وهكذا فبالجسم السَّليم .. بعظمهِ القوي السليم وعضلاتهِ المرنة القوية السليمة و أجهزته السليمة.. يُحمى المفصل ويحُافَظ على غضروفه المفصلي سليماً ما أمكن وعلى كل ما يرتبط به من أربطة وأوتار ..وغضاريف ..الخ
وهذا يتطلب .. كما أسلفنا ..
-تقوية العضلات بالحركة اليومية والتَّمطيط .. و بالتمارين المُنتظمة لتحريك كافة الهيكل الحركي للجسم بما يقترب من ثلاثين دقيقة كل مَرَّة .. كما تقول دراسات .. بشكل تَكونُ فيه آمِنَةً مِن حيث الوقت والتكرار – كلَّ يوم أو يومين أو كلَّ عدة أيام – و من حيثُ النوعية لِكلِّ فرد .. تبعاً لحالته الصِّحيَّة و عُمُرهِ ووظيفته وطبيعة حياته اليومية .. وهي تَمنع أيضاً اليَبوسة المفصلية .. وتكونُ مُفيدةً حتى في علاج تنكس المفاصل ..
-والحفاظ على كثافة العظم الصحيحة والحفاظ على الأجهزة العصبية والوعائية بحالة سليمة عالية الأداء ..
يساعد في هذا .. نظام غِذائي صحِّي مدروس ..يحتوي على العناصر البَانِيَة للعظم كالكالسيوم والبروتين والفيتامين – د – .. وغيرها ..
والقيام بالحركة اليومية .. والتأكيد عليها في مُحاربة نقص الكثافة العظمية والترقق العظمي .. فالحركة ( وليسَ الأدوية وحدها ) – كما تقول الدراسات – من أهم طرق الحفاظ على كثافة العظام في وضع صحي سليم .. وعدم تراجع كثافتها باضطراد مع تقدم العُمْرِ أو من خلال الحياة السُّكونية -.. غير النشيطة المليئة بالحركة الجسمية المُفيدة ..!
و تكون الحركة بالطَّبع والتمارين أكثر فائدة في الهواء الطَّلق .. وخاصة في الأماكن التي تملؤها الأشجار .. حيث الهواء النقي المشبع بالأكسجين .. وتحت أشعة الشمس الضرورية جداً لتقوية العظام والحفاظ على كثافتها بل لزيادة كثافتها .. بترافقها مع الحركة والتغذية السليمة الصحيَّة..
-كذلك يفيد هنا حمل الأوزان الخفيفة لزيادة كثافة العظم ولزيادة قوة العضلات ..
-و مِن ناحية أُخرى .. فمُمارسة التمارين الرياضية المنتَظمة ضرورية لحرق الدهون وعدم تجمعها في منطقة الجذع فتزيد الحمل على المفاصل بزيادة الوزن .. و لئلَّا تتراكم أيضاً على جدران الأوعية فربَّما تؤثر بذلك على تروية الطرفين السفليين ..
-ولا بُدَّ مِنَ الانتباه في الحركة والجلوس والوقوف إلى الوضعيات الصحيحة في كُلِّ ذلك .. من أجل سلامة الأربطة والأوتار والغضاريف وما يتعلق بالجهاز الحركي ..لحمايتها من الإصابات التي كثيرً ما تؤثر في صحَّة المفاصل وتسبب إجهادها و تنكُّسها ..
-الانتباه إلى صحة وسلامة العمود الفقري .. عظاماً وغضاريف مفصلية فيما بين الفقرات .. وما يتعلَّق فيها مِن مكونات كالعضلات والأوتار والأربطة ..أي انتباه إلى سلامة العَمود الفقري كنظام و بُنية عامَّة .. فعلاقته بحركة الإنسان والوقوف والمشي مثلاً .. علاقة تكاملية أساسية ..
– الحفاظ على أجهزة الجسم ووظائفها سليمةً عموماً .. كضَبْطِ سُكر الدم مثلاً الذي تقول الدراسات أن زيادة نسبته في الدم قد تُسَرِّع في عمليات تآكل السطوح المفصلية وتنكُّسها ..!
النتيجةُ :
بِقَدْر ما هو تخفيف الوزن الزائد ضروري لسلامة الفواصل الفقرية و مفاصل الحوض و الطرفين السفليين .. فإنَّ تقوية عضلات الطرفين السفليين هنا عاملٌ رئيسٌ في حماية مفاصله من الإجهاد وبالتالي من التنكس .. مع الأخذ بعين الاعتبار كل الوسائل الصحية كالحركة المنتظمة لتحقيق ذلك بذات الوقت الذي نسعى فيه للحفاظ على أجهزة الجسم في سلامة .. وفي حالة صحيَّة طيبة ..
فإلى جِسم سَليم وحركة سليمة مُريحة .. وحياة نشيطةٍ مُثمرة بإذن الله وعَوْنِه .
================================================
إعداد:
د.حسام الدين منصور
================