متى ننصرُ اللهَ ..؟

. والوجوهُ متأمِّلَةٌ .. والرؤوسُ مُشرَئبةٌ .. والنفوسُ مُترقِّبةٌ ..!

طالَ الحَيفُ علينا.. وطالَ الظُّلمُ بنا .. انكسرتْ قلوبٌ لِهَولِ المَشهد المؤلم ، و خشعتْ أفئدةٌ ، واحتارتْ عقولٌ، وتنبّهتْ مشاعرٌ ، وثارتْ جوارح ،وتأوّهت الصدور، و قالت الألسنة:

ماذا جرى بنا ..؟

و سألت الضمائر:

ماذا نفعل لما يَجري بنا .. ؟!  كيف نرفعُ الظُّلمَ والحَيفَ والعدوانَ  عَنَّا ..؟

كيف نُنقذ طَريَّ لَحم الأطفال أن يصيرَ أشلاءً بِِيَدِ الوحشِ الغادر بهم في مخيَّمات غزة وبيوتها وفي فلسطين وما حولها ..؟

كيف نُنقذ النساء الذي يستحييهم ( يُفقدهم الحياة) هذا المُتنمِّر على وداعتهنَّ بِبربرية عجزت برابرةُ التاريخ عن القيام بها ..وترفَّعت عن مثل ذلك مفترساتُ البراري والغابات ؟

مَنْ لِلَّشباب والرجال الزهور البيض، والفوارس السُّمر الأشدَّاء، يقفُ معهم في محنة القَرن .. بَل القرون ..؟! أمامَ سَطوة المعتدين الهَمَج ، الذين تَستحوذُ عليهم شياطينُ الأساطير والتخاريف المتشبِّثةِ بدواخلهم العَفِنَة..! النّاَشبة فيها بمخالب نزَعَات الاستعلاء المريض، وأوهام الفَوقية الكارهة للإنسان ..و المعجونة كراهية للإنسانية

مَن .. ؟

مشاعرُ تلتهبُ فينا جميعاً .. وأفكارٌ لا تهدأ في سرائرنا و لا تنفكُّ تطفو إلى علانيّتنا كلَّ لحظة ..!

نَرى شعبنا يُذبَحُ .. ووطنَنا يُقطّعُ .. و حِمانا تُستباح .. وليسَ غَيرُ ثُلَّةٍ مِنَّا باعتْ للهِ عزَّ وجلَّ نفوسَها رخيصةً ، تذودُ عن الأمّة ذَوداً عَزَّت عنه الصناديدُ المدجَّجَةُ بالعَتاد والسلاح ..!

ليسَ ثمَّة غَيرُ ثُلَّةٍ مُؤمنةٍ صدقتْ كما نراها ما عاهدتْ اللهَ عليه .. ثُلَّة تجترحُ بجهادٍ لا نظير له ، وصمودٍ لا مثيل له .. المُعجزاتِ .. بُطولةً وفداءً و مَضاءَ عَزمٍ وبسالةً ، وهي تُقاتل الِتِّنينَ القَذر .. وتصدّهُ .. ما استطاعتْ .. ببسيط العُدَّة والعديد .. و لكنْ بقلوبِ الإيمانِ الراسخ الحديد .. وبالأمل المُشرق بالفجر الجديد .. الذي لابدُّ سيزيحُ عَتم الجُور و الظُّلم وينبلجُ بالصبحِ الباسم السَّعيد ..بإذن الله سبحانه العَزيز المَجيد..

ليسَ ثَمَّةَ إلَّا ثُلَّةٌ .. نراها بعيون بصائرنا وبصيرتنا شعلةَ الأمل .. ونراها بعيون المحاجر والقلوب منارةَ طريق الخلاص .. نراها فترتاحُ قلوبُنا و تُجبَرُ بعد انكسار ..! نراها فتُغمَرُ أفئدتُنا ببَردِ الإيمان بعد لهيب ..! وتُملَأُ نفوسُنا بِسَكينة المُؤمنين بعد قلقٍ  وحيرة واضطراب ..! وتُشرق أرواحُنا بالنّور الذي يسطع من جباهِ المجاهدين الصادقين .. ونستبشرُ بالخير القادمَ لا محالة لأنَّ الله ينصرُ المؤمنين: ..

( إنْ تَنصروا اللهَ ينصرْكم ويُثبِّتْ أقدامَكُم )

ويبقى السؤالُ الحيُّ فينا لا يغيبُ ..  متى ننصرُ اللهَ حتى يَنصرَنا ..؟

نقرأ بوَعي القُلوب وإدراك الأفئدة هذه الآيةَ الكريمة من كلامَ اللهِ النَّاصرِ تعالى .. في كتابه العزيز:

( إن تَنصُروا اللهَ يَنصرْكم ويُثبّتْ أقدامَكم )

ونسمع بذات الوَعي والإدراك ونحن نتدبَّرُ في قرآن اللهِ الكريم .. قَولَ الرسولِ صلّى الله عليه وسلّم والذينَ آمنوا معه ..

كما جاء في آية سورة البقرة :

( متى نصرُ الله )

وقبل أن نَتَثَبَّتَ بما جاء من البشائر مباشرةٌ و فوراً تتمَّةً لهذه الآية الكريمة:

( ألا إنَّ نصرَ الله قريب )

نُمعن في الحقيقة التي تقول هُنا:

إنَّ الذي يسألُ اللهَ تَعالى النَّصرَ ويطلُبُهُ ويريدُهُ إنَّما هو الرَّسولُ عليه الصلاة والسلام والذين آمنوا معه .. هو الرسولُ أخلصُ المؤمنين الصادقين صلَّى اللهُ عليه وسلَّم .. هو النبيُّ الخاتَم والرَّسولُ المصطفى .. وهُمُ المؤمنون مَعَهُ، هُمُ الذينَ يطلبون النصرَ من الله تعالى النّاصر ..

الرَّسول الكريم عليه أزكى الصلاة وأتمُّ التسليم .. والذين آمنوا معه، أصحابُ الإيمان الذي لا يتزعزع .. الثابتون على الحق .. المجاهدون في سبيل الله حقَّ الجهاد .. همُ الذين سألوا اللهَ تعالى النَّصر  .. بعد الشِّدة والابتلاء المُزلزل ..

هذه هي ومضةُ الحقيقة هنا .. تُشرقُ بوضوح لتقول :

إنَّ المهتدين بهَدي الرَّسول الكريم ، والثابتين على نهجه القويم ، والمؤمنين الصادقين  ، السائرين على طريقه المُستقيم .. هُم .. بثباتهم وإيمانهم ، وأخذهم بأسباب النَّصر ، وإعدادهم عُدَّتهُ ، وبجهادهم المُخلص .. بناءً للنَّفس والمجتمع والأمّةِ ، وجهاداً في ساح الوغى .. يسألونَ اللهَ العزيز الحكيم النَّصرَ لينصرَهم على أعدائهم أعداء الحق والعدل والإنسان ..

هُم .. وليسَ النائمون على الضَّيم ..! هُم .. وليسَ الخانعون لِذُلِّ الأعداء ..! هُم .. وليسَ التائهون في ضلالات الحياة .. ولا العابثون الهائمون في نزَغَات الأهواء .. ولا اللاهثون وراء بهرجَات ما تُزّيِّنهُ لهم شياطينُ الإنس والجنِّ من مفاسد الحياة ..

ليسَ إلَّا المؤمنين يطلبون النَّصر مِنَ الله تعالى النَّاصر لعباده المؤمنين

.. ليكونَ الفرَجُ القادمُ لهم بعزَّة الله عظيماً، مثلما كان الابتلاء عظيماً ..

(

أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ 

آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) 

سورة البقرة/214 

والآن .. و مع سؤالنا اللهَ  تعالى النَّصرَ .. لأنَّنَا مؤمنون و مع جهاد المجاهدين وتضحياتهم .. نعودُ إلى الآية الكريمة التي تضيء لنا دربَ النصر وطريقه :

( إنْ تنصروا الله يَنصرْكم ويثبّتْ أقدامَكم)

شَرطُ نَصر الله العَزيز لنا وتثبيت أقدامنا .. هو أن نَنصرَ اللهَ  ..

تطبيقُ شَرط النَّصر في أنفسِنا ومجتمعاتنا وبلادنا .. هو الإجابة الواقعية الفورية العَمليَّة على السؤال الضمني للآيات الكريمة و لِِفِِقهِِ الحقيقة فيها:

متى ننصرُ اللهَ ..؟ متى يُصدِّقُ إيمانَ قلوبنَا العمَلُ ..؟

إنَّ مِفتاحَ النصر إذاً في أيدينا .. و بابُ العزَّة مفتوحٌ لَنا .. وشمسُ فجر خلاصنا وتمكيننا تؤذن بالشروق خلفَ سُجُف الهزيع الأخير .. أمامَ أعيننا …

فإذا كانَ لنا في أولئكَ الأبطال الصامدين .. والمجاهدين الصَّادقين في غَّزَّةَ وفلسطين و كلِّ بلادنا .. وفي المؤمنين الصَّالحين المُخلصين في كُلِّ مكان .. الأُسوةُ الحَسَنة والقُدوةُ والمَثَل .. استقامة و رشاداً .. وتعاضداً وأخوَّةً و التزاماً

.. نَصراً لله العظيم سبحانه ..

عندها نسألُ اللهَ تعالى النَّصرَ ونحنُ نَعلمُ وندركُ يَقيناً طريقَ الفَوز والنَّصر .. ونَمضي على بَرَكة الله مُستبشرين بنُور حقيقة :

( أَلَا إنَّ نصرَ اللهِ قريب )

والله اعلم

———————————————————–

حسام الدين منصور

Scroll to Top