من المبتَهجُ حقّاً..؟

في بقاعٍ من الأرض يكاد ماءُ السماء لا يغيب عنها على مرّ الفصول ..وفي واحدة منها تحفَلُ .. بالجَوِّ البارد غالباً.. وتبسُمُ لضوءِ الشمس يأتيها من وراء السحُب الكثيفة القاتمة .. و البيضاء النَّاصِعَةِ .. كزائرٍ عزيز يترقَّبُه أهلُ البلاد بشوقٍ هناك .. تسيرُ في غابة الأخضر الريَّان وأنتَ في أواسط ربيعٍ متأخر أو في بدايات صيف .. الأزهارُ البريّة تطرّزُ بألوانها الصفراء والبنفسجية والبيضاء ذاكَ المدى الزاهي بخضرته .. عبَقُ العشب الطريّ وعبير الزَّهر البرّي.. يحملانك وزقزقاتُ الطيور إلى أجواءَ تلامس فيكَ شيئاً كالفرح الطُّفولي .. ويمتلؤ الجَوُّ نشوةً إذْ الأغصانُ المتمايلة فوق رأسكَ مع تلاعب النسيم العذب بها .. تقتربُ منكَ وتبتعد ..حتى كأنها تريد أن تلثم بشفافيةِ .. حُبٍ جبينَكَ

تَحمِلُكَ هذه البدائع الربَّانية كلُّها مع نَقاء الهواء الذي لاتغادره برودة الصباح.. إلى مُتَعٍ تُبهج النفس وتُسعد الرّوح .. وتسألُ .. من يبتهجُ هنا ..؟ أنا أم النسيمُ العذبُ وأغصانُ الشجر ..؟ أنا الذي تُبهجُه لوحة الجمال الربّاني هذا .. أم هو الزَّهر والورق والعشب والطير يبتهج في عرس بهاء الربيع .. فيبهجَني ..؟! وتمشي على العشب كالخائف أن تدوسَ ريّانه الزاهي ..

توشوشُ ذاتك كَشَيخٍ حكيم..!.. كلُّنا المبتهجُ لا شكَّ .. كلْنا المُنتشي ببديع ما خَلَقَ الرحمنُ وصوّر وأعطى وتكرّم .. وتكاد تسمعُ تسبيحَ الغصونِ بميلانها والعصافير بِشَدْوها والأزهارِ بعبيرها والأخضرِ الفاتن بزاهي لونه..وامتدادِ جماله ..!

أجل إنَّ للنبات لغةً راقية عذبةً لذيذة ..! تقرؤها في المدى الأخضر الفسيح والمشهد الفتّان ، وتسمعُها في حفيف الأشجار وزقزقات العصافير والطيور .. تُحسّها وتَعِيها نسيماً عليلاً وعبيراً فوّاحاً وأجواءً نَقيَّة صافية .. وتنتشي بها ألواناً زاهية وأغصاناً متمايلةً مائسة وأوراقاً متراقصةً وعشباً متماوجاً .. فسبحان من سوَّى وأبدعَ وتكرَّم ..

بل إنّك ترى للنَّبات والشَّجر والزهر شيئاً كالأخلاق الكريمة ..!، تُظِلُّك من الشمس .. وتنشر عليك العطرَ ..وتُبهجُ فيك النظر وتُسعِدُ أجواؤها فيكَ الرّوحَ وتهديكَ ثمارُها من الطيِّبات طعمَ حلاوة رائعة ومذاقَاتِ شهيّة سائغة وجنيَّ حَبٍ وطعام وغذاء .. .. فمن الذي جعلَ فيها كل هذا الإصطفاء وأعطاها كلَّ هذه المزايا وكلَّ هذا العطاء ..؟ تبارك الكريم القدير الوهَّاب ..

ولن تغادرَ المشهدَ البديعَ المُدهش وأنتَ الإنسانُ الذي يرى ويسمعُ ويُحسُّ ويتأمل .. قبل أن تتناغم ِذاتُكَ مع الورد والزهر والشجر والعشب والطير في تسبيحةٍ كونية .. تسبيحةٍ بحَمْدِ الخالقِ البارئ المصوّر مُبدع الكون جلَّتْ قدرتُه .. فتمشي .. وأنتَ تشدو مع جميلِ ما أبدع الرحمن .. وتلهج معهم روحاً ونفساً ولساناً: سبحان الله وبحمده ..سبحان الله العظيم

حسام الدين منصور

Scroll to Top