مولد نبيِّنا الهادي صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ .. نَبيّ دِينِ الفِطرةِ الإنسانية الصَّافية

مَولدُ نَبيِّنا الهادي صلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ .. نَبيِّ دِينِ الفِطرةِ الإنسانيةِ الصَّافِيَة

على سطح هذه الأرض نحنُ أناسٌ نعيش .. نسيرُ في حَركة حياتنا كنقاط تموجُ على هذا الكوكب .. لمن يتخيَّل رؤيتنا من بعيد..!

 نسعى في مناكب الأرض لتحقيق وجودنا .. ووجودُنا على هذه الأرض التي تسير بنا هو لغاية وهدف .. غايةٍ تنسجم وتتواءم مع فِطرتنا السليمة التي فَطَرَنا الخالقُ العظيمُ سبحانه وتعالى عليها ..

نحنُ في كَونٍ أبدعَهُ البديعُ الحكيمُ ووضعَ فيه وبهِ نواميسَ وقوانينَ كونية، بها تنتظمُ حركةُ الكون بنظامٍ ليس فقط كما نقول إعجازيٍ في دقَّتهِ ونظامِهِ وطبيعتهِ وأبعادِ حركته، و بشكل لا يستطع الوَعيُ البشري مَهما أوتي وَحقَّقَ مِن كفاءة وعمقِ دراية أن يصلَ إلى قطرة في بحره الذي لا ينتهي..! ليس هذا فحسبُ ..  بل بقوانينَ ونواميسَ وسُننٍ كونيةٍ فيها الخيرُ بِمَعانيهِ المُطلقة .. قوانينَ لا تتخلَّفُ ولا يأتيها الباطل – من بين يديها ولا مِن خلفها – ..!

      الآن تعال أخي نتأمّل معاً قولَ الله تعالى في الآية 13 من سورة الجاثية:

(وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )

أرأيتَ كيف تُنير الآيةُ الكريمة – مثل كلِّ آيِ القرآن الكريم – الأفئدةَ والقُلوبَ ..؟ أرأيتَ إلى وَمضاتُ نورِها تُشرقُ في مَدارك وَعيك ومَلَكاتك ..؟

نعم هذه القوانين الكونية بما تسيرُ الأفلاكُ – ومعها أرضُنا – وفقَها وبنظامِها ويكون في ذلك الخيرُ المُطلق .. فلا خراب ولا فوضى ولا اضطرابَ و لا تفاوتَ ولا فُطور .. و يكونُ في ذلك الحقُّ المُطلَق والعدل المُطلَق و التوازن المُطلَق في حركة الكون التي تنتظم بأمر اللهِ وقُوَّة اللهِ ورحمَة اللهِ تعالى ..  مُسَخَّرة كُّلُّها مِنَ اللهِ تعالى و بأمر اللهِ وفضلِهِ ورَحمتِهِ سُبحانَهُ للإنسان ..

ولعلَّنا نَشعرُ الآنَ بشعورٍ أصدقَ  بِفضلِ اللهِ الجليل عَلَينا .. ونَعي بوعيٍ أكبر كَم هُوَ كَرَمُ اللهِ الكَريمِ علينا كَبَشَر بتسخيرِه ما في السَّمواتِ والأرضِ و ما يسيرُ بإعجاز قوانينِ اللهِ تعالى المُنتجةِ الخيرَ  .. للإنسان .. وكم هو الإنسانُ كريمٌ عِندَ اللهِ العزيزِ الحَكيمِ ..

ثُمَّ  لعلَّنا بدأنا تتساءل أيضاً .. تُرى كم استفدنا نحن البشر من هذا التسخير – الكوني – في حياتنا حتى تستقيم وتنتظم وتُنتج الخير بإذن الله ؟

 لِنَعُدْ قليلاً إلى ما بَدأنا القول به .. وُلِدَ النّاسُ على الفِطرة .. هذه الفِطرة الإنسانية ما تَعاملنا بما يُوافقُها فإنَّما نتعاملُ مع ما ينسجمُ و نواميسُ الحياة وقوانينُها الكونية وما ينتجُ عنهُ استقامةٌ في حياتنا و طُمأنينةٌ في نفوسنا وعافيةٌ وسعادة .. وما فيه خيرٌ عام …

 وما عاكَسنا هذه الفِطرة فإنَّما نُعاكس نواميسَ الكونِ في ذلكَ وقوانينَه .. ولا نتيجةَ لهذا إلاَّ اضطراباً في حياتنا و قلقاً وسقماً وشروراً .. والعياذ بالله ..

النبيُّ الخَاتَمُ مُحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم .. حمَل لَنا من الله مِشعَل النُّور الذي لا ينطفئ هدايةً ورشاداً وحِكمة .. لِيدُلَّنا على الطريق الذي نكونُ فيها بَشراً على الفِطرة السَّليمة لنفوزَ في الدُّنيا ونُفلحَ في الآخرة ..

رسولُ اللهِ .. النبيُّ مُحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم – مثل كُلِّ  الأنبياء والمُرسَلين عليهم الصلاة والسلام  – حملَ رسالةَ اللهِ الخالقِ  سبحانهُ.. حَمَلَها  للبشرية جمعاء .. جاء بِرسالةَ خالِقِ الإنسانِ على هذه الأرض وخالِقِ الكون الذي سَخَّرَ ما فيه للإنسان .. لِنُؤمِنَ بما جُبِلتْ فِطرتُنا عليه .. باللهِ الواحدِ الأحدِ ..لِنعبدَ اللهَ لا نُشرِكُ بِهِ شيئاً .. لِنتهتديَ بِشَرعِهِ الحنيفِ الذي يَنسجِمُ و يتواءم في تطبيقهِ عَملياً مع قوانين الكَون وسُنَنِهِ فيه .. حتى نسعَدَ على الأرضِ ونسودَ ونسمو .. ولنفوزَ إن شاء اللهُ  بسعادة الخلود المُطلقة في رحاب رضوان الله تعالى في جَنَّات النَّعيم ..

النبيُّ مُحمَّد صلَّى اللهُ تعالى عليه وسلَّم .. هدانا بالنّور الذي أُنْزِلَ مَعهُ إلى أن نُنقِذَ الإنسانَ فينا مِن ظُلماتٍ يُوقعُنا فيها شيطانُ الكُفر والفُسوقِ والعِصيان بما يجعلُنا ننسى فطرتَنا السليمة .. فننساقَ وراء حبائل شيطانيتهِ التي يَدخلُ بها علينا من أبواب الغَفلة والجَهل والغرائزية والأنانية وكُلِّ منافذِ السُّوء التي تعاكسُ أفعالُها قوانينَ الكَون ونواميسَهُ المنتظمة بالخير …. ليُردينا في سُوئها الآنيِّ في حياتنا.. والآتي في آخرتنا .. والعياذ بالله ..

النبيُّ مُحمَّد صلَّى الله تعالى عليه وسلَّم .. اختارهُ اللهُ سبحانَهُ واصطفاهُ ربُّنا تعالى مِن بَين الخلائقِ ليكونَ ( رحمةً لِلعَالمين )

 سورة الأنبياء الآية 107 ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )

رحمةً بهِ نبيَّاً ورسولاً مُجتبىً مِن ربِّ العالمين ..  لِلعالَمين جميعهم .. بلَّغَ رسالةَ اللهِ و أدَّى الأمانة ونصحَ الأمَّةَ وجاهدَ في الله حقَّ جِهادهِ لِيوصلَ هذه الأمانة  ..

وإنساناً قِمَّةً في كُلِّ ما تحملُه المعاني الساميةُ الخيِّرةُ من أنوار وصفات للنور تجعلُ قلبَكَ يذوبُ حُباً بِهِ وشوقاً إليه .. وتجعلُ عينَيكَ تلمعانِ بِذكرهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ .. وتَهمِيانِ بما يَملؤ الفؤادَ من نبيلِ المَشاعر وراقي الخلَجات وحَميمها وأنتَ تستحضرُ سيرتَهُ العَطِرة في روحِكَ وكيانكَ وحياتك .. وتتأملُ في صبرهِ وجِهادهِ وتضحياته مِن أجل الإنسان ولإنقاذهِ .. ولإخراجهِ بَفضلِ اللهِ تعالى مِن الظُلمات إلى النُّور ..

سلامٌ عليك يا سيِّدي يا رسولَ الله في يومِ مولدِك المُتجدِّد نوراً، المتدفِّق ضياءً .. سلامٌ عليكَ جئتنا حاملاً دينَ اللهِ .. دينَ الفِطرة السَّليمة لنَسعَدَ في الدنيا والآخرة ..

( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )
سورة الروم الآية 30

وكلمة لابدَّ منها ..
فماذا يُغرينا إذاً بِباطلِ مَن يُعاكسُ فِطرةَ الله .. ماذا يُخيفنا فيهم .. ماذا يُجُرُّ اهتمامَنا إليهم وإلى شاذِّ أعمالِهم وفاسدِها .. ولَو تلوَّنتْ بِمُتَع الحياة الكاذبة الزَّائفة ..؟
مَهما عَلوا .. بِما سخَّرهُ اللهُ تعالى للإنسان .. تقنياتٍ وتطوراً مادياً .. فَهُم سقطوا .. إذ أنكروا المُبدِعَ لهذا الكون وقوانينَهُ المُسخَّرة لصالح حياة النَّاس لِيؤمنوا باللهِ وحده ويَحمَدوهُ ويَشكُروه ..

و سقطوا لأنَّهم كفروا بهِ وجحدوا بِهِ وأنكروا رُسُلَهُ وعادُوهم ، ورسالاتِهِ و طَعنوا بها وتَمرَّدوا عليها.. وَظنُّوا بما أغَوتهم بهِ شياطينُهم أنَّهم القادرون والمُهيمنون والمُسيطرون ..؟

سقطوا.. إذ زاغوا عن الفطرة الإنسانية واغترُّوا بما لديهم مِن قوة مادِّية .. فاستكبروا عن الحق وتكبَّروا .. وانساقوا وراء مُتع ومصالح وأهواء ..

 فَها هُم وقد فقدوا- الإنسانَ – فيهم .. فقدوا الرُّوحَ .. وفقدوا الأخلاقَ السَّمحة .. وها هم تُسجِّل – إحصائياتُهم – نتائج ما يَغرق به كثيرُهم من قلق واكتئاب وما يعانونهُ جُرَّاءَ طرائق حياة ابتدعوها بنظريات وضعية .. بعيداً عن قوانين خالقِ الإنسان ونواميسِ الكَون .. وما تتطور عنه – تلك الطرائق الفاسدة – من شذوذات تنخر فيما تبقَّى من نسيج مجتمعاتهم .. هذا ، غيرُ ما تصنعُهُ قُوتُهم المادية الشريرة – التي لَفَظتْ إنسانيةَ الإنسان وانحازتْ عن طبيعةِ وسلامةِ فِطرتِهِ – في شعوب العالَم البريئة المُستضعفة مِن نكبات و مآسي .. وما تعيث به فساداً في بلادهم وأوطانهم قتلاً ونهباً للخيرات وإفساداً ..!

 كذلكَ كانَ فِرعونُ وثمودُ وقارونُ والنمرودُ  وأشباهُهم  انحرفوا َقبلَهم عن فِطرة الإنسان وعن شَرعِ خالقِ الكون وطَغوا بما أُوتوا مِن قوة وبَغوا..  فماذا كانت العاقبة ؟!

الفطرةُ هي السَّلامة .. وفيها النجاة .. فيها استقامة الحياة .. فيها النَّصر والتمكين بإذن الله .. ونحنُ أمَّةٌ فقدتْ بوصلة فِطرتها من زمن – فطرة أبنائها السَّليمة – وعانت في الأزمنة المُتأخرة بعد سُمو وسيادة وحضارة ومَدنيَّة وارتقاء دام قُروناً طويلة .. وقدَّم للإنسانية علوماً وفنوناً وقِيَماً وفِكراً .. وحضارة .. يشهدُ بل يعيشُ بنتائج أسبابها العالم اليوم بإذن الله تعالى .. والكلُّ فينا قد عرَف المشكلة وعرف َالحلَّ .. دينُ الفِطرة السَّليمة .. فَمَن مُمسِكٌ بها .. ومَن مُعتصمٌ بِحبلِ اللهِ المَتين .. مَن يَنشدُ العِزَّة والفلاح يوم الدِّين .. ؟

ولَنا في الأُمَم عِبَراً، وفي تاريخنا المَجيد دروساً .. وفي حاضِرنا الذي تسطعُ أنوارُ الحقِّ فيه والثباتِ وبشائرِ النهوض والعزَّة مِن منائر المسجد الأقصى المبارك ..ومِن عيون الصامدين في غزَّة الإيمان والشُّموخ وفي فلسطين الأبية .. حافزاً ومُلهماً ودليلاً ..

وصلَّى اللهُ عليكَ يا رسوَلَ اللهِ يا مُعلِّمَ الإنسانية .. يا رحمةً لِلعالَمين .. وَسَلَّمَ تَسلِيماً ..

— 

حسام الدين منصور

Scroll to Top