الدُّنيا .. والحياةُ على هذه الأرض محكومةٌ بحقائق موجودة فيها وقوانين كونية ثابتة لا تتخلَّف ..
هذا الفهم يتأتَّى لمن يُدركُ ويَعلم ..! ولن يدركَ هذا ويعلمَهُ غيرُ المؤمنين بمَنْ خَلَقَ هذه الدنيا وهذه الحياةَ والأرضَ التي عليها نحيا والكونَ الفسيحَ كلَّه ..!
لماذا ..؟
لأنَّ الذي يُعلِّمُنا هذه الحقائقَ .. هو اللهُ سبحانهُ خالقُ هذه الدنيا وخالقُ الحياة والأرض و الكون كلِّه .. البديعِ الحكيمُ جَلَّتْ قدرتُهُ ..
يُعلِّمنا ذلك مِنْ خلال كُتُبِهِ السَّماوية وما فيها من أسرار الخَلْق وحقائقه وقوانينه .. ومن خلال رُسُلِه الذين يوصلون كتُبَ الله هذه إلى النّاس ويُوضِحون ما فيها لهم .. ويأخذونَ بأيديهم إلى سبيل الهداية والمعرفة والعلم …
( إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ )
سورة الجاثية الآية 3
ويَعرِفُ الإنسان و يزداد معرفةً وعلماً مِنْ خِلال التَّدبُّر الفكري والتأمُّل والتفكُّر والتبصُّر وإعمال ما وهبَهُ اللهُ الخالقُ سبحانه للإنسان من عقل و جوارح .. لاكتشاف الحقيقة وفَهْمِ معناها ومعنى الإنسان ووجوده في هذه الحياة ..
ولعلَّه بِقدْر ما يُوفَّق الإنسانُ إلى الفهم والإدراك لهذه الحقائق والقوانين ، ويعلم كُنْهَ وجوده وطبيعةَ الأرض التي يحيا عليها وطبيعةَ الحياة التي يعيش فيها .. بِقَدْرِ ما يكون إنساناً حقيقياً .. أو بقدر ما يكون إنساناً سويَّاً قد أوتي من الوعي والرَّشاد ما يجعله يعرفُ كيف يعيش .. ومن الحكمة ما يجعلُه يدركُ لماذا يحيا ، وكيف يكون متكيّفاً على أحسن وجوه التكيُّف الذاتي والواقعي مع حقيقة الحياة وقوانينها .. بل وراضياً ومُدركاً طريقَ الهدف الذي يجعلُهُ سعيداً فيها .. رغم ما فيها .. وما يُمَكِّنُهُ لِيبقى سديداً بالرؤية والرؤيا بعد ذلك .. واضعاً ما وهبَهُ اللهُ في هذا كُلِّه قائداً لهُ إلى الغاية النهائية وهي رضا اللهِ تعالى خالقِه العظيم ، والفوز بالسَّعادة الخالدة في الجنَّة يوم القيامة .
ولو حاولنا العودةَ ل- أرضَّية – هذه الحياة بالتدبُّر الذي قُلنا والتَّفكُّر .. لعَرَفنا أنَّها بطبيعتها خليطٌ بين الإيجابيِّ والسَّلبي – بالنسبة لفَهمنا كبشر – بكلِّ صُوَر الإيجابية والسَّلبية و أشكالهما .. وهكذا فلا تستقيمُ مع ذلك محاولة العَيش في – أوتوبيا فاضلة – أو في – جَنَّة – أرضيَّة – خالِيَة من ألوان السلبيات تلك لأنَّ ذلك هو طبيعتُها و حقيقتُها .. وعلى الواعي أن يدركَ ذلك ويفهم ويعلمَ كيف يتكيَّفُ مع هذه الطبيعة الثابتة للحياة -أيْ – مع حقيقتها .. بما لا يَجْعلُهُ بسلبياتها مُكدَّرَ العيش ، قلقاً ، خائفاً أو حزيناً..
فمَعَ الصِّحة هناكَ سَقَمٌ .. ومع الغنى هناك فقرٌ وإفتقار .. ومع الرَّاحة هناك تَعَب .. ومع النظافة هناك أوساخ وجراثيم وفيروسات وو.. ومَع النّاس الطيبين العادلينَ الخيِّرين .. هناك الأشرارُ والظالمون والمفسدون ..والعياذُ بالله ..
والوَعْيُ هنا والعِلْمُ والإدراك – كما قلنا بدايةً – هو بالإيمان الحقِّ للوصول إلى الرَّاحة والطُّمأنينة والتكيّف الحَسَن والرِّضا ..
فعَيشُ الحياةِ الحَقَّة وَوُلوجُ بابِ السَّعادة يبدأُ إذْ يَعْلَمُ المؤمنُ الحقيقةَ هذه ومصادرَها ونَبْعَها الصحيحَ الصافي من ربِّه سبحانَهُ .. الخالِقِ الحكيم القدير خالقِ الحياة ومُدَبِّرِ أمرها .. فيَعرفَ بهذا العِلْم طريقَ التكيُّف – الذي ذكرنا – لِتستقيمَ حياتُه ، ويعلمَ طريقةَ الخروج مما سمَّيناهُ – السلبيات – و طُرُقَ الإبتعاد عنها ، و حتى يعيشَ .. وفق قوانين اللهِ الثابتة .. مرتاحاً حيثُ يضَّطربُ النّاسُ – الذين لا يعلمون – .. مُوفّقاً للخير حيثُ يعاني الجاهلون الفاسدون .. سعيداً بما أعطى اللهُ بكَرَمه ويسَّرَ حيثُ يشقى الجاحدون المستكبرون والغافلون .. !
يحيا المؤمنُ حياتَهُ الطيِّبة وَ يَلجُ بابَ السَّعادة حينَ يعرفُ ويُدرِكُ أنَّ الكَونَ بِيَد الله وأنَّ خالقَ الكون وحدَهُ هو الذي يُلْجَأُ إليه ِلتذليلِ صعوباتِ الحياة وتدبيرِ شؤونها .. فهو مُؤمنٌ طائعٌ عابدٌ لِرَبِّهِ .. مُوقِنٌ بهِ سبحانهُ وبقُدرتهِ وبرحمتهِ .. راجٍ بفَضلِهِ تَعالَى وكَرَمِه أحسنَ الأَجْرٍ والجَزاءٍ في الآخرة.
قال تعالى :
(مَنْ عَمِلَ صالحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
سورة النحل/الآية 97
هُنا بهذا الاعتقاد القَلْبي الفِطْرِيِّ السليم .. يَدخُلُ المؤمنُ بابَ السَّعادة لأنَّهُ يَعلَمُ أنَّ مع العُسْر يُسراً ، ومَعَ الضِّيق فرجاً ، ومع الصَّبر أجراً وفوزاً .. و أنَّ الطُّمأنينة بذكْر اللهِ .. وأنَّ النَّجاةَ والنَّجاح بالتَّوكُّل الحقِّ على الله .. وأنَّ السَّعادة بتقوى الله وبالسُّموِ عن التَّعَلُّق بِقِشْر الدُّنيا الزّائف ، الذي يبحث عنه النّاسُ المُبتعدونَ عن فطرتهم ، الدنيَويُّون الظَّانُّونَ هذا القشرَ – جهلاً – سعادةً وهو ليسَ إلاَّ مُتعةٌ زائلة بحُكم قوانين الدنيا التي جهلوها ..!
هُنا .. يكون للإيمان الكلمةُ الفَصْلُ .. لِلعِلْم .. للوَعْي .. للإدراك .. للمعرفة .. و لِلحِكمة والسَّداد والصواب والرَّشاد و في تَمَثُّل كُلِّ ذلكَ ممارسةً وعملاً ..
اللَّهُمَّ آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رحمةً وعلِّمنا مِن لَدُنْكَ عِلْمَاً .. بِكَرمك ورحمتِك وفَضلِك .. يا أرحمَ الرَّاحِمين ..
——————————————————————-
حسام الدين منصور
حُرّر في 10 شوال 1444 / 30/04/2023